السلام عليكم
اللهم صلي على محمد وآل محمد
روى ابن بابويه عن عروة بن الزبير أنه قال : كنت جالساً مع جماعة في مسجد رسول الله
( صلي الله عليه وآله وسلم )يوماً,فذكرنا أعمال أهل بدر وعباداتهم وما لأهل بيعة
الرضوان . فقال أبو الدرداء : يا قوم , أتريدون أن أخبركم عمن كان أقل الصحابة
مالاً وأكثرهم عملاً , وأسعاهم إلى العبادة؟ قالوا: من هو ذاك؟ قال ذاك هو علي بن
أبي طالب ( عليه السلام)
فلما سمعوا كلامه, أداروا عنه وجوههم. فقال له رجل من الأنصار : لقد قلت ما لم
يوافقك أحد . فقال أبو الدرداء : لقد قلت ما رأيت , وانقلوا ما رأيتم . لقد
التقيت به في نخيلات بني النجار ليلة, وكان قد انزوى من أصحابه, واختفى خلف النخيل,
يقول بصوت حزين:
(( إلهي , ماأكثر الذنوب المهلكة التي ارتكبتها وصبرت ولم تعاقبني , وما أكبر المساوئ التي
صدرت عني وتفضلت علي ولم تفضحني . إلهي لئن قضيت عمري كثيراً في معصيتك, وعظم ذنوبي في صحيفة
أعمالي فلا رجاء لي سوى عفوك ومغفرتك ورضاك)).
قال أبو الدرداء: فتتبعت الصوت وعلمت أنه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام),
فاختفيت خلف الأشجار , وصلى الإمام ركعات, ولما فرغ من صلاته , دعا وبكى وناجى , ومما كان
يقرأ(( إلهي , إذا تأملت في عفوك وامعنت النظر في كرمك شهلت علي ذنوبي , ولو تذكرت عذابك
وعقابك عظمت علي بلايا نوبي . أواه لو قرأت في صحيفتي ذنوباً كنت قد نسيتها , وأنك أحصيتها
, فتأمر الملائكة أن اقبضوا عليه , فويل لمأخوذ قبض عليه , ولأسير لا يستطيع أهله وعشيرته وقبيلته
وجميع اهل المحشر أن ينقدوه ويرحموه)).
ثم قال ( عليه السلام): أواه من حر نار يشوي الأكباد والأظهر ,ويزيل الجلود من الرؤوس , ومن زبانية
جهنم البالغة الغامرة )).
ثم بكى الإمام ( عليه السلام) طويلاً وانقطع صوته , فقلت في نفسي : لعله غلب عليه النوم لشدة الأرق ,
فدنوت منه لأنبهه يستيقظ لصلاة الفجر . فحركته ولم يتحرك ساقطاً على الأرض لا يشعر كالخشب الجامد اليابس
, فقلت :( إنا لله وإنا اليه راجعون) وعدوت إلى بيته لأخبر فاطم الزهراء عليها السلام بما حدث ورأيت . فسألتني
عن حالته وما هو فيه : فشرحت لها ما سمعت وما كان من أمره , فقالت : يا أبا الدرداء , هذا صرع ينتابه أغلب
أوقاته خوفاً من الله وخشيه منه.
فأمرت فاطمة ( عليها السلام ) بماء رش على وجهه الشريف فصحا واستعاد حالته الطبيعية , ونظر إلي وقال : ما يبكيك
يا أبا الدرداء ؟ قلت : أبكي مما أرى ما تفعل بنفسك ووجودك, فقال أمير المؤمنين : يا أبا الدرداء , لو رأيتني يوم
القيامة أحشر للحساب إذ تيقن المذنبون أنفسهم بعذابهم , وأحاطني ملائكة غلاظ , وزبانية عابسة بسوء الخلف , وحملوني إلى
الخالق الجبار , وتركني جميع الأحباب , وترحم علي جميع أهل الدنيا , فهل ترحمني أمام خالق لايخفى عليه شيء ؟
فقال أبو الدرداء : والله ما رأيت عبادة كهذه من أصحاب النبي قط .
قال المؤلف : رأيت أنه من الجدارة بمكان أن أنقل إلى هنا مناجاة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام) بألفاظه التي كان
يناجي بها ربه , لمن شاء أن يقرأها في تجهد ليله , وهذه المناجاة الشريفة كم ذكرها شيخنا البهائي ( رحمه الله تعالي ) في كتابه
مفتاح الفلاح. وهي :
(( إلهي , كم من موبقة حلمت من مقابلتها بنقمتك , وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك . ألهي , إن طال في عصيانك عمري , وعظم
في الصحف ذنبي , فما أنا مؤمل غير غفرانك , ولا أنا براج غير رضوانك ))
(( إلهي , أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي , ثم أذكر العظيم من أخذك , فتعظم علي بليتي . آه إن قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها, وأنت
محصيها , فتقولل: خذوه , فياله من مأخود لا تنجيه عشيرته , ولا تنفعه قبيلته . آه من نار تضج الأكباد والكلى . آه من نار نزاعة للشوى .
آه من غمرة من لهبات لظى ))