منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums

العودة   منتدى التعليم التونسي (Jawhara-Soft) > التعليم و الثقافة > خواطر و مقالات أدبيّة
خواطر و مقالات أدبيّة بخفق الورق و رحابة الحرف نرتقي إلى أكوان الرحابة .. قصة ، شعر ، فلسفة ، خواطر و مقالات أدبيّة


موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-16, 10:44 رقم المشاركة : 1



Icon3 شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم متجدد





موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم




الموضوع الأول

بَلْ عَبْداً رسولا




من دلائل نبوة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ زهده في الدنيا وإعراضه عنها طلبا لثواب الله في الآخرة ، مع أن الدنيا كانت بين يديه ، وهو أكرم الخلق على الله ، ولو شاء لأجرى الله له الجبال ذهباً وفضة ، ولو كان دعيا يفتري الكذب ما فرط في دنياه ، فإعراضه عن الدنيا وزهده فيها من دلائل نبوته ورسالته ..

كان زهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ زهد من علم فناء الدنيا وسرعة زوالها ، وبقاء الآخرة وما أعدّه الله لأوليائه فيها من نعيم مقيم وأجر عظيم ، فرفض ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأخذ من الدنيا إلا بقدر ما يسدّ الرمق ، فآثر حياة الزهد ، وكثيرا ما كان يدعو ربه قائلا : ( اللهم أحيني مسكينا ، وأمتني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين )(الترمذي) .

وخيَّره ربه بين أن يكون ملِكا رسولا أو عبدا رسولا ، فاختار أن يكون عبدا رسولا ، يشبع يوما ويجوع يوما ، حتى لقي الله ـ عز وجل ـ . عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( جلس جبريل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فنظر إلى السماء ، فإذا ملَك ينزل ، فقال له جبريل : هذا الملك ما نزل منذ خُلِق قبل الساعة ، فلما نزل قال : يا محمد أرسلني إليك ربك : أملِكا أجعلك أم عبدا رسولا ؟ ، قال له جبريل : تواضع لربك يا محمد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : بل عبدا رسولا )(أحمد) .

وإذا تأملنا بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته رأينا عجبا ..

فبيته من طين ، متقارب الأطراف ، داني السقف ، ينام فيه على الحصير حتى أثّر في جنبه ، وربط الحجر على بطنه من الجوع ، وربما عرف أصحابه أثر الجوع في وجهه ، وهو رسول الله وصفوته من خلقه ..

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( ما شبع آل محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قُبِض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ)(البخاري) .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " إنما كان فراش رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف " ، و أخرجت ـ رضي الله عنها ـ كساءً ملبداً وإزاراً غليظاً فقالت : " قبض رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذين ".

ويقول عمر ـ رضي الله عنه ـ : ( .. فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع على حصير فجلست ، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره ، وإذا الحصير قد أثر في جنبه ، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع ومثلها قرظا في ناحية الغرفة ، وإذا أفيق معلق .. قال : فابتدرت عيناي ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ما يبكيك يا ابن الخطاب ؟! ، قلت يا نبي الله وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك ، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى ، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار وأنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصفوته وهذه خزانتك ؟! ، فقال : يا ابن الخطاب ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا ، قلت بلى .. )(مسلم) .

ورآه عمر ـ رضي الله عنه ـ يتلوى من الجوع ، وما يجد رديء التمر يسد به جوعته ، ثم رأى ـ رضي الله عنه ـ بعد ذلك ما أصاب الناس من الدنيا فقال : (لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يظل اليوم يلتوي ما يجد دَقَلا(رديء التمر) يملأ به بطنه )(مسلم) .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير )(الترمذي) .

وتحكي أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ لابن أختها عروة حال بيوت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول : ( .. والله يا ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات رسول الله - صلى الله عليه وسلم – نار ، قال : قلت يا خالة فما كان يُعيشكم ؟! ، قالت : الأسودان التمر والماء ، إلا أنه قد كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيران من الأنصار وكانت لهم منائح (الشاه أو الناقة) فكانوا يرسلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من ألبانها فيسقيناه )(مسلم) .

وعنها ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل ، فلم تجد عندي شيئا غير تمرة ، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ، ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته ، فقال : من ابتلي من هذه البنات بشيء كُنَّ له سترا من النار )(البخاري) .

ويطرق ضيف باب بيته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما يضيفه به ، فيرسل إلى بيوته يسأل نساءه ، فلا يجد عندهن سوى الماء ، فلم يجد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدَّا من الطلب من أصحابه أن يضيِّفوه .. ومع ذلك كله فقد كان يدعو الله قائلا : ( اللهم ارزق آل محمد قوتا )(البخاري)

قال ابن حجر في فتح الباري : " .. شرحه ابن بطال فقال : فيه دليل على فضل الكفاف وأخذ البلغة من الدنيا ، والزهد فيما فوق ذلك رغبة في توفر نعيم الآخرة ، وإيثارا لما يبقى على ما يفنى .. فينبغي أن تقتدي به أمته في ذلك .. وقال القرطبي : معنى الحديث أنه طلب الكفاف ، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة ، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا .." .

وتشكو إليه ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ ما تلقى في يدها من الرحى ، وتطلب من أبيها ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعطيها خادما يخفف عنها ما هي فيه من تعب ، فيرد عليها ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناصحا لها ولزوجها علي ـ رضي الله عنه ـ فيقول : ( .. ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ ، إذا أخذتما مضاجعكما ـ أو أويتما إلى فراشكما ـ فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين فهو خير لكما من خادم .. )(البخاري) .

ومن زهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يقسم الأموال على الناس ثم لا يحوز منها درهما واحدا ، ويوّزع الإبل والبقر والغنم على أصحابه وأتباعه والمؤلفة قلوبهم ثم لا يأخذ لنفسه شيئا ، بل يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (.. فلو كان لي عدد هذه العضاه ( شجر له شوك ) نعما (الإبل والشاة) لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا .. )(البخاري) .

ويقول أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ : كنت أمشي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حرّة(أرض ذات حجارة سود) المدينة ، فاستقبلَنا أُحُدٌ ، فقال : ( يا أبا ذر : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا شيئاً أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه .. )(البخاري) ..

وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم

ولما غادر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الدنيا ما ترك لأهله شيئا .. عن عمرو بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال : ( ما ترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند موته درهما ولا دينارا ، ولا عبدا ولا أمة ، ولا شيئا ، إلا بغلته البيضاء وسلاحه ، وأرضا جعلها صدقة )(البخاري) ، وهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم : ( .. لا نورَّث ، ما تركناه صدقة )(البخاري).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( تُوفِّي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير )(البخاري) .

لقد كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أزهد الناس في الدنيا ، والأسوة العظمى في الإقبال على الآخرة ، وكان زهده اختيارياً ، فلو شاء لجعل الله له الجبال ذهباً ، وقد فتح الله تعالى له البلاد ، وجعل له خمس الغنائم ، ومع ذلك كان يتصدق بكل ما يأتيه من الأموال ، ويبقى ينام على الأرض ، ولا يجد شيئاً يأكله ، مؤثرا على نفسه فقراء الأمة ومصالح الإسلام .. وربَّى بزهده كثيرا من الرجال ، فتخلقوا بمثل أخلاقه فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه .

يتبع إن شاء الله في موضوع ثانى






 
قديم 2011-10-17, 15:46 رقم المشاركة : 2

Icon3 من معالم الرحمة المحمدية





موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم




الموضوع الأول

من معالم الرحمة المحمدية



ما أحوجنا إلى إشاعة آداب الرحمة والتراحم في المجتمع ، فالقلوب العامرة بالرحمة والشفقة تثمر سكينة وطمأنينة ، وتبني مجتمعا متعاطفا متكافلا ، تسوده المحبة والمودة والأمان ، وبالمقابل فإن القلوب القاسية الغليظة تمزق المجتمع ، وتزلزل أركانه ، وتنشر الظلم والشقاء والاعتداء على حقوق الناس ، بل إن أكثر مشكلات المجتمع بمختلف أنواعها ناجمة عن ضعف الرحمة في القلوب وبين الناس ، ومن ثم قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي )(أبو داود) .. وقال : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء )(أبو داود) ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لن تؤمنوا حتى تراحموا ، قالوا : يا رسول الله كلنا رحيم ، قال : إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ، ولكنها رحمة العامة )(الطبراني) ..

ومن نعم الله على البشرية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما بُعِث إلا لتحقيق ونشر الرحمة بين الناس كما قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107) ، وقال تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) ، ويؤكد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك بقوله : ( أنا نبي الرحمة )(مسلم) ويقول : ( يا أيها الناس! إنما أنا رحمة مهداة ) ( الدارمي )

ويعبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن رحمته التي جاء بها للناس أجمعين بقوله : ( إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش وهذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها ، فجعل ينزعهن ويغلبنه فيقتحمن فيها ، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقحمون فيها )(البخاري) .

قال ابن تيمية : " الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين .. فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس والرحمة لهم بلا عوض وبالصبر على أذاهم واحتماله .. فبعثه بالعلم والكرم والحلم ، عليم ، هاد ، كريم ، محسن ، حليم ، صفوح .." ..

وإذا كان الناس عامة بحاجة إلى الرحمة والرعاية التي لا تضيق بضعفهم وجهلهم ، فإن حياة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الناس ـ وهديه الذي تركه للبشرية ـ كان كذلك .. فما غضب لنفسه قط ، ووسع الناسَ حلمُهُ ورحمته وعطاؤه ، وما من أحد عاشره أو عامله إلا امتلأ قلبه بحبه ، لما أفاض عليه من نفسه الكبيرة الرحيمة ..

وسيرته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المؤمنين والكافرين عامرة برحمته التي فتحت القلوب ، وأحيت النفوس ، والأمثلة في ذلك كثيرة منها :

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ( أن أعرابيا دخل المسجد ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس فصلى ركعتين ثم قال : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقد تحجرت (ضيقت)واسعا، ثم لم يلبث أن بال في ناحية المسجد ، فأسرع الناس إليه فنهاهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ، صبوا عليه سجلا من ماء أو قال ذنوبا من ماء )(أبو داود) .

وفي رواية أحمد أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( لا تزرموه ( لا تقطعوا عليه بوله ) دعوه ، ثم دعاه فقال له : إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول ، إنما هي لقراءة القرآن وذكر الله والصلاة ..) .

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض ، فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ،فقال : له أطع أبا القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فأسلم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار )(البخاري) .

وقد شعر الناس عامة وأصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاصة بالرحمة في سلوكه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، حتى يصفه أنس ـ رضي الله عنه ـ بقوله : ( كان رحيما ، وكان لا يأتيه أحد إلا وعده و أنجز له إن كان عنده ) ، وفي حديث طويل لعمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ قال : ( .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا ..)(مسلم) .

وقال مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ : ( أتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين ليلة ، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيما رقيقا فظن أنا قد اشتقنا أهلنا فسألنا عن من تركنا من أهلنا ، فأخبرناه ، فقال : ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ثم ليؤمكم أكبركم )(مسلم) .

ومن معالم رحمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يختار التيسير ويأمر أصحابه بذلك ، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( ما خُير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين أحدهما أيسر من الآخر إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما ، فإن كان إثما كان أبعد الناس منه )(مسلم) .

وعن أبى موسى ـ رضي الله عنه ـ قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال : ( بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا )(مسلم) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخفف في صلاته رأفة بالناس ويقول : ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء )(البخاري).

وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : (إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها ، فأسمع بكاء الصبي فأَتَجَوَّزْ (أخفف)في صلاتي ، كراهية أن أشق على أمه )(أحمد) .

هذه بعض معالم الرحمة المحمدية التي فتحت مغاليق القلوب ، واستطاعت أن تستوعب مختلف الطبائع والأجناس ، فشملت الصغار والكبار، والمؤمنين والكفار ، ورقَّت للضعيف ، وحنَّت على المسكين ، وغمرت اليتيم ، وعَمَّت الناس أجمعين ، وصدق الله : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107) ..


يتبع إن شاء الله في موضوع ثالث







 
قديم 2011-10-18, 19:56 رقم المشاركة : 3

Icon3 قبس من أخلاق النبي ـ الشجاعة





موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم




الموضوع الثالث

قبس من أخلاق النبي ـ الشجاعة








كان رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ أحسن الناس سمتاً وعشرة ، وأكملهم أدبا وخُلُقاً ، وقد وصفه الله سبحانه بذلك فقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) ، فما من خصلة من خصال الخير إلا ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها ، شهد له بذلك القاصي والداني ، والعدو والصديق ، ومن ثم كانت مكارم الأخلاق سمة بارزة في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعله وسيرته .
وقد سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن أخلاق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : ( كان خلقه القرآن )(أحمد) ، وتريد بذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في مسلكه الخُلُقي محققاً لأدب القرآن في كل ما أحبه الله من الصفات الطيبة والأخلاق العظيمة ..

ومِن ذلك أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعهد فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفى الناس بعهده ، وأمر بالتواضع فكان أكرم الخلق تواضعاً ، وأمر بالعبادة فكان أكثر العباد إقبالاً على العبادة ، وحث على الشجاعة فكان أشجع البشر ، وحبب للمؤمنين الصفح والعفو فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعفى الخلق وأصفحهم ، وحض على الرحمة والبر فلا يُعرف من يدانيه رحمة وبراً..
وهكذا كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يترجم بفعله أكرم الأخلاق التي رغب الله فيها عباده الصالحين ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )(أحمد) .
فتثبيت الفضائل الخلقية وغرسها في البشرية كان بمثابة الهدف الأعلى لرسالته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ..

الشجاعة المحمدية :

الشجاعة خلق فاضل ووصف كريم ، لا سيما إذا كانت في العقل والقلب ، وفي الناحيتين المعنوية والحسية على السواء ، وصاحبها من أهل الإيمان والعلم ، وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ مثلاً أعلى في الشجاعة كلها .
وقد تجلت شجاعته المعنوية في وقوفه بدعوته الربانية في وجه الكفر وأهله ، إذ كان العالم حين بُعِث ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد انصرف عن طريق الله ، وغرق في بحر من المعاصي والآثام والشرك ، فثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على دعوته يحتمل في سبيلها أشد ألوان الأذى والبلاء .. وقد حاولت قريش معه مختلف الوسائل من الاضطهاد والإيذاء ، والإغراء بالمال والنساء ، والزعامة والملك ، فلم يزدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا ثباتاً على دينه ، وتصميماً على إبلاغ دعوته ، حتى كتب الله له الفلاح والنصر ، وأظهر دينه على الدين كله ..

أما شجاعته الحسية فعجب من العجب ، يشهد له بها أهل البطولة ، إذ كان من الشجاعة والقوة بالمكان الذي لا يجهل ، حضر المواقف والمعارك الصعبة ، وفر عنه الأبطال والشجعان ، وهو ثابت لا يتزحزح ، ومُقْبِل لا يدبر، وما شجاع إلا وقد أحصيت له فرة إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. قال علي ـ رضي الله عنه ـ : ( كنا إذا حمي البأس ، واحْمرَّت الحَدَق ، اتقينا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه )(أحمد) .

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس وأشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ليلة ، فخرجوا نحو الصوت ، فاستقبلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقد استبرأ الخبر وهو على فرسلأبى طلحة عُرْي(مجرد من السرج) ، وفي عنقه السيف ، وهو يقول : لم تراعوا ، لم تراعوا .. )(البخاري)..
لم تراعوا ، لم تراعوا : أي لا تخافوا ولا تفزعوا .. وفي ذلك بيان لشجاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، حيث خرج قبل الناس وحده لمعرفة الأمر ليطمئنهم ..

والأمثلة التطبيقية العملية من حياة وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تدلل على شجاعته وثباته كثيرة ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتقدم أصحابه في الجهاد في سبيل الله ، وقد شج وجهه ، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد .

وفي يوم حنين ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وجه الآلاف من هوازن ، بعد أن تفرق عنه الناس خوفا واضطراباًً من الكمين المفاجئ الذي تعرضوا له .
ويصف البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ الموقف فيقول لرجل سأله : أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة ؟ ، فقال : ( أشهد على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ما ولَّى ، ولكنه انطلق أخِفَّاء من الناس وحُسَّر(من لا سلاح معهم) إلى هذا الحي من هوازن وهم قوم رماة ، فرموهم برشق من نبل كأنها رِجْل(قطيع)من جراد فانكشفوا ، فأقبل القوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته ، فنزل ودعا واستنصر وهو يقول : أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب ، اللهم نزِّل نصرك ) .

قال البراء : " كنا والله إذا احمر البأس(الحرب) نتقى به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذى به . يعنى النبي - صلى الله عليه وسلم - " (البخاري).
قال ابن كثير في تفسيره بعد سياق هذا الحديث : " .. وهذا في غاية ما يكون من الشجاعة التامة ، أنه في مثل هذا اليوم في حومة الوغى ، وقد انكشف عنه جيشه ، وهو مع هذا على بغلة ، وليست سريعة الجري ، ولا تصلح لفر ولا كر ولا هرب ، وهو مع هذا يركضها على وجوههم وينوه باسمه ، ليعرف من لم يعرفه - صلى الله عليه وسلم - دائما إلى يوم الدين ، وما هذا كله إلا ثقة بالله ، وتوكلا عليه ، وعلما منه بأنه سينصره ، ويتم ما أرسله له ، ويظهر دينه على سائر الأديان " .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَزَاة قِبَلَ نَجْد، فأَدركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في القائلة في واد كثير العِضَاهِ (شجر فيه شوك) ، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة فَعلّق سيفه بِغُصْن مِن أغصانها ، وتفرّق الناس في الوادي يستظلون بالشجر .. قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إِنَّ رجلا أتاني وأنا نائم فأخذ السيف فاستيقظت وهو قائم على رأسي ، والسيف صَلْتا(مسلولا) في يده ، فقال: مَن يَمْنَعُكَ مني؟ ، قلت : الله ، فشامَ السيف( رده في غِمْده ) ، فها هو ذا جالِس ، ثم لم يعرِض له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - )(مسلم) .
قال ابن حجر في فتح الباري : " وفي الحديث فرط شجاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقوة يقينه ، وصبره على الأذى ، وحلمه عن الجهال " .

لقد كانت مواقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه مضرب المثل والقدوة ، فهو شجاع في موطن الشجاعة ، قوي في موطن القوة ، عفو في موطن العفو ، رحيم رفيق في موطن الرحمة والرفق ، فصلوات الله وسلامه عليه ..



يتبع إن شاء الله في موضوع رابع






 
قديم 2011-10-22, 20:45 رقم المشاركة : 4

Icon3 حلم النبي صلى الله عليه وسلم





موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم




الموضوع الرابع

حلم النبي صلى الله عليه و سلم







ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أحسن خلقا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - ، وقد امتدحه ربه ـ عز وجل ـ فقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم : 4) ..

ومن عظيم أخلاقه وجميل خلاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حلمه على من جهل عليه ، وعفوه عمن ظلمه ، وما من حليم إلا عرفت منه زلة ، وحفظت عنه هفوة ، إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فما زاد مع كثرة الإيذاء إلا صبرا ، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما ، إذ كان لا يغضب لنفسه أبدا .. فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( ما خُيِّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله تعالى فينتقم لله بها )(أبو داود) ..

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا تستفزه الشدائد ، ولا تغضبه الإساءات ، واتسع حلمه حتى جاوز العدل إلى الفضل مع من أساء إليه وجهل عليه ، فعنعبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه - : ( لما كان يوم حنينٍ آثر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ناساً في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة ً من الإبل ، وأعطى عيينة بن حصن مثل ذلك ، وأعطى ناساً من أشراف العرب وآثرهم يومئذٍ في القسمة ، فقال رجل : والله إن هذه لقسمة ما عُدِل فيها وما أريد فيها وجه الله ، قال : فقلت : والله لأخبرن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : فأتيته فأخبرته بما قال ، فتغير وجهه حتى كان كالصرف(شجر أحمر) ، ثم قال : فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ، ثم قال : يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر ، قال : فقلت : لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثاً ..)(البخاري).

ما ذا أقول إذا وصفت محمداً عجز البيان وحلمه لا يفقد

ومواقف حلمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الإيذاء والغلظة وجفاء المعاملة وسوء الأدب كثيرة ، منها :

ما رواه أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة ، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ثم أمر له بعطاء )(مسلم) .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ : ( .. أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتقاضاه فأغلظ ، فهمَّ به أصحابه فقال : دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ) ثم قال : ( أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ ، قالوا يا رسول الله : إلا أمثل من سنه ، فقال : أعطوه ، فإن من خياركم أحسنكم قضاء )(البخاري) .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( استأذن رهط من اليهود على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا : السام (الموت) عليكم ، فقالت عائشة : بل عليكم السام واللعنة ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله ، قالت : ألم تسمع ما قالوا ؟، قال : قلتُ وعليكم )(البخاري) .

ولما كُسِرت رباعيته وشج وجهه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم غزوة أحد ، شق ذلك على أصحابه ، وقالوا : لو دعوت عليهم ، فقال : ( إني لم أبعث لعانا ، ولكني بعثت داعيا رحمة لهم ، اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون }(مسلم).

قال القاضي عياض في كتابه الشفا : " .. قال القاضي أبو الفضل وفقه الله : انظر ما في هذا القول من جماع الفضل ودرجات الإحسان وحسن الخلق وكرم النفس وغاية الصبر والحلم ، إذ لم يقتصر ـ صلى الله عليه وسلم ـ على السكوت عنهم حتى عفا عنهم ، ثم أشفق عليهم ورحمهم ودعا وشفع لهم فقال : اغفر أو اهد ، ثم أظهر سبب الشفقة والرحمة بقوله لقومي ، ثم اعتذر عنهم بجهلهم فقال : فإنهم لا يعلمون .." .

حلمه مثل سنا الشمس وهل لسنا الشمس يُرى من جاحد

ولما خرج ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى قبيلة ثقيف يدعوهم إلى الله ، ويطلب الحماية مما ناله من أذى قومه ، وهو يمشي على قدميه في مرارة ومعاناة ، واجتمع مع هذه المشقة والمعاناة سوء مقابلة وسفاهة وإيذاء، ولمَّا أمكنه الله منهم أبى عليه حلمه عفوه عنهم إلا أن يقابل الإساءة بالإحسان .

فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( هل أتى عليك يوم كان أشد عليك من يوم أحد ؟، قال : لقيت من قومكِ ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يالِيل بن عبد كُلاَل ، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت ـ وأنا مهموم ـ على وجهي ، فلم أستفق إلا وأنا بقَرْنِ الثعالب ـ وهو المسمى بقَرْنِ المنازل ـ فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . فناداني ملك الجبال، فسلم عليّ ثم قال : يا محمد، ذلك، فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين(الجبلين) ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : بل أرجو أن يخرج الله عز وجل من أصلابهم من يعبد الله عز وجل وحده لا يشرك به شيئا )(البخاري) .

لا تضربن به في حلمه مثلا فما له في البرايا يعرف المثل

كان عليه الصلاة والسلام يتجاوز عن المسيء ، فيشرق ويضيء قلبه بالإسلام ..كما حدث مع أبي سفيان يوم جيء به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال له ـ مع شدة إيذائه له ـ : ( ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ ، قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك )(الطبراني) ..

وجاءه زيد بن سعنة قبل إسلامه يتقاضاه دَيْناً عليه ، فجبذ ثوبه عن منكبه ، وأخذ بمجامع ثيابه ، وأغلظ له ، ثم قال : إنكم يا بنى عبد المطلب مطل ، فانتهره عمر وشدد له في القول ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يبتسم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر: ( .. وأنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر : تأمرني بحسن القضاء ، وتأمره بحسن التقاضي ، ثم قال لقد بقى من أجله ثلاث ، وأمر عمريقضيه ماله ويزيده عشرين صاعا لما روعه فكان سبب إسلامه ) ..

وذلك أن ـ زيد بن سعنة ـ كان يريد اختباره بهذا الموقف فكان يقول : " ما بقى من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفتها في وجه محمد إلا اثنتين لم أخبرهما : يسبق حلمه جهله ، ولا تزيده شدة الجهل إلا حلما، فأخبرته بهذا فوجدته كما وصف .."

رحابة الصدر فيه غير خافية من أجلها عظمت فيهم مكانته

لقد تضافرت الأخبار على اتصافه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحلم ، وحسبنا ما بلغ متواترا من صبره وحلمه على الشدائد الصعبة والإيذاء من قريش ، إلى أن أظفره الله عليهم وحكَّمه فيهم ، وهم لا يشُّكون في استئصالهم والانتقام منهم ، فما زاد على أن حلم وعفا عنهم ، وقال : ( ما تقولون وما تظنون؟ ، قالوا : نقول ابن أخ وابن عم حليم رحيم ، فقال : أقول كما قال يوسف لإخوته : { لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ }(يوسف: من الآية92) )(البيهقي) .

ولأهمية الحلم في حياة المسلم أوصى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرا ، وجعل جزاءه عظيما ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أوصني ، قال : لا تغضب ، فردد مِرارا قال : لا تغضب )(البخاري) .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ليس الشديد بالصرعة ، ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )(البخاري) .

وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رجل لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : دلني على عمل يدخلني الجنة ؟، فقال له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لا تغضب ولك الجنة )(الطبراني) .

وعن معاذ ـ رضي الله عنه ـ قال : ( من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيِّرهُ الله من الحور العين ما شاء )(أبو داود) ..

فما أحوجنا إلى الاقتداء به ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حلمه وعفوه ، بل في أخلاقه كلها ، ففي ذلك سعادة الدنيا والآخرة وصدق الله { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }(الأحزاب: من الآية21) ..


يتبع إن شاء الله في موضوع خامس





 
قديم 2011-10-24, 09:29 رقم المشاركة : 5

Icon3 حقوق الخدم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم




موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم




الموضوع الخامس

حقوق الخدم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم







مظاهر رحمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حفلت بها سيرته وحياته ، وامتلأت بها سنته ، فرحم الصغير والكبير، والقريب والبعيد ، والمرأة والضعيف ، واليتيم والفقير، والعمال والخدم، وجاء بشريعة كلها خير وعدل ورحمة للعباد ، قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء:107) ..

ومن مواطن ومظاهر الرحمة إحسان معاملة الخدم وإعطاؤهم حقوقهم ، وكانت سيرته وسنته ـ صلى الله عليه وسلم ـ خير شاهد على معاملتهم معاملة إنسانيَة كريمة ، والشفقة عليهم ، والبر بهم ، وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال ، والتواضع معهم ، بل جعلهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إخوانا لمن يعملون عندهم ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (..إخوانكم خَوَلُكم(خدمكم) جعلهم الله تحت أيديكم ..)(البخاري) .

وحقوق الخدم والعمال في سنة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرة ، منها :

المسارعة في إعطائهم أجرهم :

ألزم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب العمل أن يُوَفِّيَ العامل والخادم أجره المكافئ لجُهده دون ظلم أو تأخير .. فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه )(ابن ماجه) .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (قال الله : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ، ولم يعطه أجره )(البخاري) .

الحذر من إيذائهم :

حذر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من إهانتهم أو ضربهم ، أو الدعاء عليهم ، فعن أبى مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أضرب غلاما لي ، فسمعت مِنْ خلفي صوتا : اعلم أبا مسعود ، لله أقدر عليك منك عليه .. فالتفتُ فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلتُ : يا رسول الله هو حر لوجه الله ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أما لو لم تفعل للفحتك النار ـ أو لمستك النار ـ )(مسلم) .

وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تدعُوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خَدَمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة يُسْألُ فيها عطاء فيستجيب لكم )(أبو داود) .

الشفقة بهم :

من حقوق الخدم والعمال في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عدم تكليفهم ما لا يطيقون من العمل ، والشفقة بهم ، بل والإنفاق والتصدق عليهم ، ومساعدتهم فيما يكلفون من أعمال ..
عن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : (..إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )(البخاري) .

وعن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصدقة ، فقال رجل : عندي دينار ؟ قال : أنفقه على نفسك ، قال : عندي آخر ؟ ، قال : أنفقه على زوجتك ، قال : عندي آخر ؟ ، قال : أنفقه على خادمك ، قال : إن عندي آخر ، قال أنت أبصر..)(ابن حبان) .

وقد رغب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التواضع معهم ، فقد روىالبخاري في الأدب المفرد ، والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما استكبر من أكل معه خادمه ..) ..

العفو :

مع ما قد يحصل من الخدم من بعض المخالفات والأمور التي يستحق بعضهم أن يعاقب عليها ، كان شأنه وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ العفو والتجاوز .. فعن العباس بن جليد الحجري قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : ( جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : كم نعفو عن الخادم؟ ، فصمت ، ثم أعاد عليه الكلام فصمت ، فلما كان في الثالثة قال : اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة )(أبو داود) .

ومعلوم أن حياة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت تطبيقاً لأقواله ، ومن ثم فإن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- تصف حاله مع خادمه فتقول : ( ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قَطْ بيده ، ولا امرأة ، ولا خادما ، إلا أن يجاهد في سبيل الله ..)(مسلم) .

وشهادة الخادم عن سيده صادقة ودقيقة ، وخاصة من رجل كأنس ـ رضي الله عنه ـ ، الذي خدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ونقل عنه آلاف الأحاديث ، وكان معه كظله ، فما رأى منه إلا حسن المعاملة والحلم والرفق ..

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلُقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفى نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله - صلى الله عليه وسلم - .. قال : فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قابض بقفاي من ورائي ، فنظرت إليه وهو يضحك ، فقال : يا أنيس اذهب حيث أمرتك ، قلت : نعم أنا أذهب يا رسول الله ..)(أبو داود) .

وعن ثابت عن أنس قال : ( خدمتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين بالمدينة وأنا غلام، ليس كل أمري كما يشتهى صاحبي أن أكون عليه ، ما قال لي فيها أف قط ، وما قال لي لم فعلتَ هذا ، أو ألَّا فعلت هذا )(أبو داود)..

وقد امتد اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخدم ليشمل غير المؤمنين به ، كما فعل مع الغلام اليهودي الذي كان يعمل عنده خادماً .

عن زيد عن ثابت عن أنس : قال : ( كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض ، فأتاه يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال : أطع أبا القاسم ، فأسلم ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار )(البخاري) ..

لقد أصَّل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ للعمال والخدم من الحقوق ، وشرع لهم من الآداب ما يتناسب مع إنسانيتهم والرحمة بهم ، في زمنٍ لم يكن يعرف غير الظلم والقهر ، ولا شك أنه كلما سعى المخدوم في تحقيقها نال مراده من العامل أو الخادم على أكمل وجه ، فراحة الخادم والمخدوم ـ بل والبشرية جمعاء ـ في اتباع أوامر وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..

يتبع إن شاء الله في موضوع سادس









 
قديم 2011-10-31, 19:35 رقم المشاركة : 6

Icon3 الجار في سنة النبي المختار صلى الله عليه وسلم




موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم



الموضوع السادس

الجار في سنة النبي المختار صلى الله عليه و سلم







الروابط بين الناس كثيرة ، والصلات التي تصل بعضهم ببعض متعددة ، فهناك رابطة القرابة ، ورابطة النسب والمصاهرة ، ورابطة الصداقة ، ورابطة الجوار، وغيرها من الروابط التي يقوى بها المجتمع ..

وللجار في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حرمة مصونة وحقوق وآداب كثيرة ، لم تعرفها قوانين وشرائع البشر ..

وقد أوصانا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بكل ما فيه خيرنا وصلاح أمرنا في ديننا ودنيانا وآخرتنا .. ومما وصانا به : أن نحسن إلى الجيران سواء أكانوا من الأقارب أو من عامة المسلمين ، أو من غير المسلمين ، وقد استمرت الوصية بالجار من جبريل عليه السلام لنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى ظن أنه سيورثه ، وما ذاك إلا لعظم حق الجار ..

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )(البخاري) .

وكثير من الناس لا يعرف جاره ولا يسأل عنه أو يتفقد أحواله ، والبعض لا يهتم بحق جاره عليه ، مع أن الإحسان إلى الجار وإكرامه والقيام بحقوقه أمر أوصى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكد عليه في كثير من أحاديثه ووصاياه ، ومن ذلك :

الحقوق العامة :

للجار على جاره الحقوق العامة للمسلم على المسلم ، والتي ذكرها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله : ( حق المسلم على المسلم ست ، قيل : ما هي يا رسول الله؟ ، قال : إذا لقيته فسلم عليه ، وإذا دعاك فأجبه ، وإذا استنصحك فانصح له ، وإذا عطس فحمد الله فشمته ، وإذا مرض فعده ، وإذا مات فاتبعه)(أحمد) .

وقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عدم القيام بنفع الجار ومساعدته ، وذك في ما رواه البخاري في الأدب المفرد عن نافع عن ابن عمر قال : لقد أتى علينا زمان ـ أو قال : حين ـ وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم ، ثم الآن الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم ، سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول : يا رب هذا أغلق بابه دوني فمنع معروفه ) .

الإحسان إلى الجار :

أوصى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بإكرام الجار والإحسان إليه في أحاديث كثيرة ، ومن ذلك :
عن أبي شريح الخزاعي أن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره ..)(مسلم) .

وعن أبي شريح العدوي قال : سَمِعَتْ أذناي وأبصرَتْ عيناي حين تكلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم - فقال ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره .. )(البخاري).
ومن صور الإحسان بين الجيران : التهادي بينهم ، وينبغي أن لا يحقر الجار هديةً جاءته من جاره مهما كانت ..

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة )(البخاري) . فِرْسِنَ شاة : عظم قليل اللحم وهو خف البعير .
قال النووي : " معناه لا تمتنع جارة من الصدقة والهدية لجارتها لاستقلالها واحتقارها الموجود عندها ، بل تجود بما تيسر وإن كان قليلا كفرسن شاة ، وهو خير من العدم " .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قلتُ يا رسول الله : ( إن لي جارين فإلى أيهما أهدي ؟ قال : إلى أقربهما منك بابا )(البخاري) .

وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أنه ذبحت له شاة ، فجعل يقول لغلامه : أهديتم لجارنا اليهودي؟ ، سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه )(البخاري) .

ومن الإحسان للجيران : تفقدهم بالطعام ، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: أوصاني خليلي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه ، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف )(مسلم) .

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه )(الحاكم) .

قال الشيخ الألباني : " .. في الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين ، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع ، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة ، ونحو ذلك من الضرورات .." .

وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما آمن بي من بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )(الطبراني) ..

صنع الطعام للجيران لوفاةٍ عندهم :

قال الشيخ الألباني في كتابه أحكام الجنائز : " .. وإنما السُنَّة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم ، لحديث عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنه ـ حين قُتِل ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنه قد أتاهم أمر شغلهم )(أبو داود) .

وقال الإمام الشافعي : " وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم ، فإن ذلك سُنَّة ، وذِكْرٌ كريم ، وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا ".

إياك وإيذاء الجار :

عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذى جاره )(مسلم) .

وعن أبى شريح الكعبي أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، قالوا : وما ذاك يا رسول الله ؟ ، قال : الجار لا يأمن جاره بوائقه ، قالوا يا رسول الله : وما بوائقه ؟ قال : شره )(أحمد) .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رجل : يا رسول الله إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ؟ ، قال : ( هي في النار )(أحمد) .

وحذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحذيرا شديدا من يؤذي جاره ، والأذى بغير حق محرم ، وأذية الجار أشد تحريما .. وقد جاء الوعيد الشديد من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ محذراً كل متطلع على عورات جيرانه ونسائهم ..

عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أي الذنب أعظم عند الله ؟ ، قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك ، قلتُ : إن ذلك لعظيم ، قلت : ثم أي؟ ، قال : وأن تقتل ولدك تخاف أن يطعم معك ، قلت : ثم أي ؟ ، قال : أن تزاني حليلة جارك )(البخاري) .
وعن المقداد بن الأسود ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال لأصحابه : ( ما تقولون في الزنا ؟ ، قالوا: حرمه الله ورسوله فهو حرام إلى يوم القيامة ، قال : فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه : لأِن يزني الرجل بعشرة نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره ، قال : فقال : ما تقولون في السرقة ؟ ، قالوا : حرمها الله ورسوله فهي حرام ، قال : لأِن يسرق الرجل من عشرة أبيات أيسر عليه من أن يسرق من جاره )(أحمد) .

وليس من أدب الجوار أن يردَّ الجار الأذى بمثله ، بل عليه بالصبر واحتمال الأذى من جاره ، لقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يشنؤهم الله : الرجل يلقى العدو في فئة فينصب لهم نحره حتى يُقتل أو يفتح لأصحابه ، والقوم يسافرون فيطول سراهم حتى يحبوا أن يمسوا الأرض فينزلون ، فيتنحى أحدهم فيصلي حتى يوقظهم لرحيلهم ، والرجل يكون له الجار يؤذيه جاره فيصبر على أذاه حتى يفرق بينهما موت أو ظعن ، والذين يشنؤهم الله : التاجر الحلَّاف ، والفقير المختال ، والبخيل المنان .. )(أحمد) .يشنؤهم : يبغضهم ، ظعن : السفر والارتحال ، الحلاف : كثير الحلف ، المختال : المتكبر المُعْجَب بنفسه ، المنان : الفخور على من أعطى حتى يُفسِدَ عطاءَهُ ..

لقد كان حال الناس في الجوار قبل بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما وصف جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بقوله : " إنّا كنا أهل جاهلية وشر، نقطع الأرحام ، ونسيء الجوار .." .. فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرفع قيمة حسن الجوار ، وأعطى للجار حقوقا كثيرة ساعدت في قوة وسلامة المجتمع ، وإرساء قواعد المحبة والأمن والتعاون بين أفراده ..
فما أحوجنا إلى الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والاقتباس من هديه وسنته في حياتنا كلها ، كما قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21)


يتبع إن شاء الله في موضوع سابع














 
قديم 2011-11-08, 11:58 رقم المشاركة : 7

Icon3 معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه




موضوع متجدد بحول الله

يتضمن مواضيع

تخص حبيبنا محمد

صلى الله عليه و سلم



الموضوع السابع

معاملة النبى صلى الله عليه و سلم لأصحابه






ما مِن خصلةٍ من خصال الخير إلا ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها ، وقد صفه الله تعالى بلين الجانب لأصحابه فقال : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }(آل عمران: من الآية 159)

وفي معاملته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي ، ومن ذلك أنه كان يقضي حوائجهم ، ويتواضع معهم ، ويجيب دعوتهم ، ويزور مرضاهم ، ويشهد جنائزهم ، ويدعو لهم ولأبنائهم ، ويشفق عليهم ، ويشعر بآلامهم ، وينهاهم عن المبالغة في مدحه ..
عن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ في وصفه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته )(النسائي) .

وعن سهل بن حنيف - رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم )(الحاكم) .

وعن أنس - رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم ، ويمسح برؤوسهم ، ويدعو لهم )(النسائي) .

وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول على المنبر: سمعت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده ، فقولوا عبد الله ورسوله ) (البخاري) ومعنى تطروني أي : تبالغوا في مدحي .

وكان - صلى الله عليه وسلم - عادلا بينهم لا يحابي أحدا بغير حق .. ولما كلمه ـ حِبه ـ أسامة بن زيد في العفو عن المرأة المخزومية التي سرقت ، تلون وجهه - صلى الله عليه وسلم ـ وقال : ( أتشفع في حد من حدود الله؟ ، ثم قام فاختطب ثم قال : إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها )(البخاري)

ومن هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه في وقت الشدة والبلاء التسلية والعزاء ، فكان يشعر بآلامهم ، ويجعل لهم من محنهم منحا ، ومن الحزن فرحا ، ومن الألم أملا

من صور ذلك ما رواه أنس - رضي الله عنه - قال : خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلما رأى ما بهم من النَصَب والجوع قال : ( اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة .. فقالوا مجيبين له : نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا )(البخاري) .

وقال قرة بن إياس - رضي الله عنه - : ( كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه ، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه ، فهلك(مات) ، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة ، لذكر ابنه ، فحزن عليه ، ففقده النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مالي لا أرى فلانا؟ ، قالوا : يا رسول الله ، بنيه الذي رأيته هلك . فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن بنيه ، فأخبره أنه هلك ، فعزاه عليه ، ثم قال : يا فلان أيما كان أحب إليك : أن تمتع به عمرك ، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟ ، قال : يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إليَّ ، قال : فذاك لك ، فقالوا : يا رسول الله أله خاصة أم لكلنا ؟ ، قال : بل لكلكم )(النسائي) .

ومن أحواله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه استشارته لهم ، فكثيراً ما كان يقول لهم : ( أشيروا عليَّ أيها الناس )(مسلم)

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشارك أصحابه ما يعانونه من فقر وجوع ، فإذا حلَّ الجوع بهم يكون قد مر به قبلهم ، وإذا أرسل أحد إليه بصدقة ، جعلها في الفقراء من أصحابه ، وإن أُهْدِيت إليه هدية أصاب منها وأشركهم فيها ، وكان معهم أجود بالخير من الريح المرسلة ، كما وصفه بذلك عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما .

عن محمد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم : ( أنه بينما يسير هو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعه الناس مقفلة من حنين ، فعلقه الناس يسألونه ، حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فوقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : أعطوني ردائي ، لو كان لي عدد هذه العضاه نعماً لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذوبا ولا جبانا )(البخاري)..
مقفلة : راجعة من حنين ، السَّمُر : شجر طويل قليل الظل صغير الورق قصير الشوك ، الرداء: ما يوضع على أعالي البدن من الثياب ، العضاه : نوع من الشجر عظيم له شوك ، النعم : الإبل والشاء ، وقيل الإبل خاصة .

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يُغدق في العطاء لمن يتألفه ، قال أنس - رضي الله عنه - : ( ما سُئِل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام شيئاً إلا أعطاه ، قال فجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه فقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمداً يعطي عطاء لا يخشى الفاقة ..)(البخاري).

وجاء إليه سلمان الفارسي حين قدم المدينة بمائدة عليها رطب ، فوضعها بين يديه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما هذا يا سلمان؟ ، قال : صدقة عليك وعلى أصحابك ، قال : ارفعها فإنا لا نأكل الصدقة ، فرفعها ، فجاء من الغد بمثله ، فوضعه بين يديه يحمله ، فقال : ما هذا يا سلمان؟ ، فقال : هدية لك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه : ابسطوا .. )(أحمد) .. ومن ثم قال أنس ـ رضي الله عنه ـ محدثاً عن أثر هذه المعاملة الحسنة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا ، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها )(مسلم).

وكان - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على تعليم أصحابه .. حينما أساء رجل في صلاته فعلمه صفتها ، وسُمِّي حديثه بحديث المسيء صلاته ، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم ولنا من بعدهم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي )(البخاري) .

وفي حجة الوادع قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لتأخذوا مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه )(مسلم).

وقال أبو ذر- رضي الله عنه - : " تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما " .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يمزح معهم ، ولا يقول إلا حقا .. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : (إني لا أقول إلا حقاً ، قال بعض أصحابه : فإنك تداعبنا يا رسول الله ؟! ، فقال : إني لا أقول إلا حقا )(أحمد).

ومن صور مزاحه - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه : أنه رأى صهيبا وهو يأكل تمرا ، وبعينه رمد، فقال : ( أتأكل التمر وبك رمد؟ ، فقال صهيب : إنما آكل على شقي الصحيح ليس به رمد ، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ )(الحاكم) .

وكان الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ يمازحونه لعلمهم بتواضعه وكريم أخلاقه معهم

قال عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - : ( أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك وهو في قُبَّة من أَدَم (جِلد) ، فسلمت ، فرد ، وقال : ادخل ، فقلت : أكلي يا رسول الله؟، قال : كلك ، فدخلت )(أبو داود) .

وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى لأحد أن يحتقر أو يسب أحدا من أصحابه ، ولو كان صحابيا مثله .

فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رجلا على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كان اسمه عبد الله ، وكان يلقب حمارا ، وكان يُضْحِك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب ، فأتي به يوما فأمر به فجلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ، ما أكثر ما يؤتى به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تلعنوه ، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله )(البخاري) .
وفي ذلك دليل على أن الكبائر لا تخرج أصحابها من الإيمان ، وعلى حكمة النبي - صلى الله عليه وسلم ـ وحبه لأصحابه .. فإن الغرض إصلاح المخطئ لا إقصاؤه وإبعاده ، فما أعظم شفقته على أمته ، وحرصه على أصحابه !

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يجتني سواكا من الأراك ، وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفؤه ، فضحك القوم منه ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( مم تضحكون؟ ، قالوا: يا نبي الله ، من دقة ساقيه ، فقال : والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحُد )(أحمد).

وكان - صلى الله عليه وسلم - يثني على أصحابه إظهاراً لفضلهم وعلو قدرهم .

عن أنس بن مالك - رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أرحم أمتي بأمتي أبو بكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأصدقهم حياءعثمان ، وأقرؤهم لكتاب الله أُبَي بن كعب ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، ألا وإن لكل أمة أمينا ، وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح )(الترمذي) .

وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلح بينهم .. فعن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم )(البخاري).

ومن صور معاملته - صلى الله عليه وسلم – لأصحابه قيامه بحمايتهم .. فعنأنس بن مالك - رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت ، فتلقاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راجعا وقد سبقهم إلى الصوت وهو على فرس لأبي طلحة عري، في عنقه السيف وهو يقول : لم تراعوا ، لم تراعوا )(البخاري).
قال ابن حجر : " وقوله : لم تراعوا : هي كلمة تقال عند تسكين الروع تأنيساً ، وإظهاراً للرفق بالمخاطَب " .

وكان - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى أن يحزن أحد من أصحابه في نفسه عليه .
عن عبد الله بن زيد بن عاصم ـ رضي الله عنه ـ قال : لما أفاء الله على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين قسَّم في الناس في المؤلفة قلوبهم ، ولم يعط الأنصار شيئا ، فكأنهم وجدوا(حزنوا) ، إذ لم يصبهم ما أصاب الناس ، فخطبهم فقال : ( يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي ، وكنتم متفرقين فألفكم الله بي ، وكنتم عالة فأغناكم الله بي ) . كلما قال شيئا قالوا : الله ورسوله أمن ، قال: ( ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) ، قال : كلما قال شيئا قالوا الله ورسوله أمن ، قال : ( لو شئتم قلتم : جئتنا كذا وكذا .. أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رحالكم ، لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس واديا وشِعْبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، الأنصار شعار ، والناس دثار ، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض )(البخاري).

الشعار : الثوب الذي يلي الجلد من البدن ، الدثار : الثوب الذي يكون فوق الشعار ..
وفي رواية أحمد قال : ( فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا: رضينا برسول الله قسما وحظا .. ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وتفرقوا ) .
هذه بعض الصور والسطور المضيئة من صفحات معاملة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه ، فما أحوجنا إلى أن نحول هديه وخلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى سلوك عملي تنتظم به أمورنا ، وتسعد به حياتنا .

يتبع إن شاء الله في موضوع ثامن

















 
موضوع مغلق



تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 18:56


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة 2010-2023 © منتديات جوهرة سوفت