منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums منتديات جوهرة سوفت - Jawhara-Soft Forums

العودة   منتدى التعليم التونسي (Jawhara-Soft) > التعليم و الثقافة > دروس و إمتحانات الباكلوريا
دروس و إمتحانات الباكلوريا مخصص لطرح دروس و مستندات و إمتحانات تخص إمتحانات الباكلوريا


إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-01-11, 14:06 رقم المشاركة : 1



افتراضي الإنساني بين الكثرة والوحدة: الخصوصية والكونية


الإنساني بين الكثرة والوحدة: الخصوصيّـة والكونيّـة

فاتحة قول: "سارعوا فلا مخدعة كالأمن ولا حصن أمنع من إساءة الظنون"
ــ ابن سينا ــ رسالة الطيرــ
قدر الفلسفة أنّها تمارس التظنـّن و" إساءة الظنون" في كــلّ ما يعترضها من مسائل ولعلــّنا اليوم وإذ نشهد هذا الزّخم، وهذه الضوضاء حول الكونيّة /الكونويّة، العالميّة /العولميّة ـ العولمــة يجعلنا أمـام ضرورة طـرح السؤال:
لماذا التفكير في مسألة الخصوصيّة والكونيّة ؟؟؟
هل من راهنيّة لهذا السّؤال ؟
وأي رهانات يمكن تحديدها له ؟
أو ماعسانا نكشف من رهانات لهذا السّؤال ؟؟
قد يكـون هـابرمـاس محقـّا في التأكيــد علـــى" إيـتـيـقــا الحــوار" أوعلـى "العقل التواصلي"، تماما كما أنّ الأطروحة الفينومينولوجيّة وخاصّة مع ميرلوبونتي حين أكـّـد بأنّ التواصل ضرورة أنطولوجيّة وأنّه قدر الإنسان أن يتواصل، سواء كان هذا التواصــل أفقيــا أوعموديــا فإنـّـه يثـوي علـى جملـة مـن الخصوصيات الثقافيــّة والحضاريّة بل إنـّه يؤكـّـد على الطابع الاختلافـي بين الشعوب. وإذا كان سؤال البدء في الفلسفة هو "ما الإنسان ؟" فإنّ هذا السّؤال يتشظّى و يتذرّر (من الذرّة) ليُلامس الإنسان في جميع أبعاده، ولينتقل حقل المساءلة من السّؤال عن الماهيّة إلـى السّـؤال عن الهويّة. لعلّ القراءة النقديّـة الواعيـة برهانـات التظنـّـن في المسألـة تُبيـّن بـأنّ البحث في الإنـسـانـي هـو فـي حـدّ ذاتـه محـور المسـاءلــة ورهـانـها، فالـرّهــان الحقيقـــي هـو تحقيـق الوعـي بمدى حاجـة الإنسـان إلـى التعرّف علـى مـا هـو إنسـانــي فـي الإنسـان، والبحـث عـن طبيعـة العلاقـة بيـن الخصوصيّـة والكونيـّة إن كانـت علاقـة تتقوّم علـى التماثـل أم التنافـر أم التكامـل أم التقابـل أم التحايث.... تمامــا فـإنّ عمليّـة التظنـّـن تكشـف علــى تأرجح الإنسان بين الانشداد إلى خصوصيتـه والتمسّـك بمقوّمـات هويّتـه وبيـن توقـه للانفتاح عـلـى تنــوّع أنمـاط الـوجـود الإنسانــي الممكنة. أي السعي للانخراط في الكونيّ / الانتماء للكونيّ. إنّ الفكــر المتظنـّـن يكشـف عـن خصوصية الواقــع الإنسانــي بمـا هـو واقـع فسيفسائيّ يعبّر عن التعدّد والتنوّع والاختلاف، كما يكشف عن هيف طبيعي إنسانـيّ نحـو الكونـيّ، علاوة عـن كـون هذا الواقـع يكشـف نفسـه أيضـا بمــا هو واقع صراع وصــدام واصطدام وعنــف، اكتسب مشروعيتــه مــن خلال جملــة مــن السّنـــدات مثــل الحـديـث عـن الحــرب الـصليبـيّـة بـمــا هـي حــرب مقدّســة أو عـن الفتوحـات الإسلاميّــة أو الحـرب مـن أجـل تحقيــق الحرية والديمقراطيّة وتحقيق حقوق الإنسان (احتلال الحلفــاء لألـمانيــا بعــد الحــرب العالميّــة الثانيــة أو الاحتلال الأمريكــي للــعراق ...). أو الحــرب مــن أجــل نشــر قيــم الحــقّ والدّفــــاع عــن إنـســانـيّـــّة الإنســان (الحمــلات الاستعمارية) أو أحــدث أشكــال "المـوضــة" فــي الحــروب علــى الإنسـانيّــة بمــا هـــي الحــرب عـلــى الإرهـــاب (كالحرب على أفغانستان أو الحــرب على غزّة...). كـمــا يكشـــف هـــذا الـواقــع عــن وجــود أقلـّـيــات تسعـى بدورها إلى "افتــكاك الاعتـراف" بخصوصياتهــا والعمــل علــى فرض ذاتــها وعـن حقـّـها في الاختــلاف، مثـــل الأقـلـّـيــات البربريـّة فـي شمـال إفريقـيـا أو الأكـراد أو التركمـان أو العــرب فــي بـلاد فــارس (إيــران)... وهــي أقــليــات تــؤكـّـد عـلـى حقــّـها في الحفـاظ عــلى هويّتـها وكـيانـهــا، وهــو مـا يــتضمّـن الإشـارة والتنبيــه إلـى وجــود خطــر يهــدّد هـذه الأقـلــّيــات وبالتـّالــي الكشـف عـن وجـود اختراقــات ثقافيــّة لخصوصيــات ثقافيّـة أخـرى وفــق مبرّرات الانخــراط فــي الكونــيّ وهــو مــا يحيــل على التشديــد علــى مخاطـــر النظــرة الأحاديّــة للخصوصيـّة تمامــا كما يحيل على مخاطــر ادّعــاء الكونيّــة. رغـم التأكيــد بـأنّ الكونيّـــّة هـي مشتــرك إنسانــي. غيـر أنّ ذلـك لا ينفــي وجـود ثقـافـات منغلقــة أو هــي تسعــى ـ كمـا أكـّـدنـــا ـ إلى الانغلاق على نفسها كردّة فعل دفاعيّة عن خصوصياتها وإعلانا عن الرّفض القطعيّ للكونيّة. وسيـّـان إن تعلــّق الأمر بعمليات الاختراق والاكتساح أو بعمليات الانغلاق، بالتحلــّل وبالانحلال أو بالتعصّب والقطيعة والرفض، فإنّ ذلك يؤكد على وجود أزمة هويّة أوعلى هويـّـات متأزّمة عند البعض و" فائض هويّة " عند البعض الآخر. لكن ألا يمكـن للخصوصيّــة أن تنفتــح علــى الكونيـّة دون أن تتحلــّـل فيهــا؟ ألا يمكــن للكونــي أن يكــون المجــال الــذي يحمــــي الخـصوصيــات؟ هــل أنّ صياغة عنوان المسألــة "الخصوصيّــة والكونيّـــة" والواقــع الرّاهــن المهتـرّئ والمتــأزّم يدعونــا إلـى الانخـراط فـي إميّــة حضاريّــة / ثقافيّـــة، إمّــا اختيــار الكـونــي أو الـدفــاع عـلــى الخصوصيّـــة ؟ ثـــمّ، ألسنـا أمــام مفــارقة حـادّة تتمثـّـل فــي وجـود دلالتيــن متقابلتيــن للكونــيّ: كونــيّ نتــوق إليــه بمــا هـو الكونــيّ الثــّـاوي للقيمـــة والقيــم الإنسانيّــة لذلــك نجــد أنفسنــا مدفوعيــن للعمــل على الانخـراط فيـه والدفاع عنه، بل وإلى السعي لإنقاذه... وكوني آخر مغاير، هو كونـيّ إمبريالـي، توسّعــي، يتوجّـــب علينــا أن ننقــذ أنفســنــا منــه، بمــا هــو الكونـيّ المتأسّــس علــى فكــرة الحضارة / الثقافــة النمــوذج أو المركــز أو بمــا هـي جوهـر الكونــيّ الـذي يتوجّب إكسابه صفة الكليّ وبالتالي إعطاءه خاصيّة الإنسانيّ ليكون "الكونيّ الإنسانيّ" لنجد أنفسنــا أمــام لغــو البحث عـن تحديــد جنـس العلاقـــة بيـن الإنسـانـيّ والكونيّ وبيـن الكوني الإنساني والعالمي وبين الكوني والعالمي والعولمي والعولمة... إنّ التفكير في" الخصوصيّة والكونيّة" يحمل في طيّاته أفكارا و رهانـات ملغومــة قد تنفجـر فينــا وقـد نبطـل انفجـارها، لذلـك فـإنّ التظنـّـن النقدي الفلسفي ــ الواعـــي براهنيـّـة الإنسـان المــأزوم ــ يراهــن علــى البحـث فــي أوجــه العلاقــات الممكنـــة بيــن الخصوصيّـة والكونيّــة، إن كانــت هذه العلاقــة قـد تجسّدت كعلاقــة تنـاظــر أو علاقــة تشـارط أوعلاقــة تكامــل أو علاقــة تقابــل... تمامــا كمــا نجدهـا فــي علاقـة الإنية بالغيريّة، لكن هذه المرّة مع إنيّة تجسّدت هويّة وغيريّة تجسّد تنوّعا واختلافا وكونيّة. إذا كانــت الخصوصيّــة تحيــل علـى مفهوم الهويّــة، فكيف يمكننــا مقاربــة دلالـة الهويّــة ؟ هـل بمــا هي أحــد المقــولات المنطقيـّة والتـي تحيــل إلى تحديــد كــان أرسطو قــد حدّد معالمــه، وبالتالــي نكون أمـام مقولــة تتأسـّـس على "الهو هو" أو "الهوــ هو الذي لا يمكن أن يكون غير هو" أم باعتبارها هوّية متحقّقة في التاريخ أوهي ما يتحقّق في التاريخ، هذا التاريخ الذي يفترض وجود جملة من الاستلزامات كالحركة والتغاير والتحوّل والتنوّع والتثاقف ...؟؟؟ وهو ما يفترض منّا ممارسة فعل التظنـّن والمساءلــة: هــل نحــن إزاء الهويّــة بمـا هــي حقيقــة بسيطـة أم أنّها تنخرط في خانــة الحقائــق المركــّبة وبالتالي نكون أمــام الهويّــة المركـّـبة وهـل أنّ الهويـّة تعــود إلــى جـذور واحدة أم إلــى جــذور مـتعــدّدة ومتنوّعــة ومختلفــة مـن حيــث الأصالة والخصوصيات وبالتالي هل نحن أمام هويّة وخصوصيّة منغلقة أم نحن أمام هويّــة تتأســس على الانفتـاح، لكن ألا يكون ذلك بمثابة التشريع للانفتاح وبضرورة التأثّر بالتاريخ والتأثير فيه وإضفاء مشروعيّة على الاحتواء والتكيّف مع المُستجدّات الحضاريّة. لكـن، ألا نكون مرّة أخرى أمــام إحراجيــّة المسألــة ؟؟ فـإذا كنـّـا أمـام الهويّة البسيطـة فإنـّنا نكون أمام التشريع للانغلاق والتقوقع وإضفاء المشروعيّة علــى كــلّ عمليــّة دفــاع عـن هذه الهويّـة الثقافيّـة ورفـض كـلّ غيريّـة حضاريّـة قد " تـنوي" تهديدهــا والتعصّـب وإمكــان ادّعــاء امتلاك الكونـيّ، وبالتالـــي فكّ الارتباط بكلّ ما هـو آخـر حضاري والانغلاق علــى"الأصيـــل و"الأصالــة" و "الخصوصــيّ" و "الحقيقــيّ" و"الذاتــيّ" ورفض كــلّ إمكــان للتواصــل مــع الآخــر أو "الغيريّـة الحضاريّــة"، والتأرجــح بيــن رفض للكونــيّ وادّعــاء لامتلاكــه... وإذا كنـــّــا أمام الهويّة ذات الطابع المركـّـب، أي الهويّة التي ساهمت في تشكـّـلها عوامل متعدّدة ومتكثـّرة ومختلفــة فإنـّـنــا نكـون أمـــام وجــه مثالــيّ وجميــل للـكونيّــة بمــا أنـّهــا تتحدّد كأفق تتحقّق فيه الخصوصيّة. تمامــا فإنّ هنـاك إحراج آخر يعترضنــا: ألا يمكـن أن يكون الكونــيّ مقولة إيديولوجيّة وجدت في أرضيّة القطب السـّياسي والاقتصادي الواحد المبرّر والمشرّع لبسط رهان هيمنة خصوصيّة على خصوصيات أخــرى ؟ وبالتالــي لن نكــون أمام الكوني "الإنسانيّ" بما هو أفق لتحقـّـق الخصوصيّ بل بما هو كونيّ ـ أفق للنجاعة وهو ما تتستـّـر وراءه مقولة العولمة. فهل يعني ذلك أنـّـنا إزاء كوني عولميّ وليس أمام كونيّ إنسانيّ ؟؟؟؟
1 - في دلالــة الخصوصيّــة:
لعلّ القراءة الأوّليّة لمفهوم الخصوصيّة تجعلنا أمام دلالة السّمات الفرديّة الجزئيّة التي قد يتميّز بها شخص ما عن غيره وهنا تتحدّد كسؤال عن الذات الذاتيّة الفرديّة، وقد تحيل على خصوصيات نوع، لتكون المحدّدة للتميّز النوعي للإنسان مثلا، وهنا يُحتكر السّؤال في البحث عن الماهيّة أو الإنيّة، وقد تحيل على التميّز في حدود ما هو إنسانيّ في علاقته مع وحدات الوجود الاجتماعي ممـّـا يفرز التميّز الثقافي والتنوّع الحضاري بشكل نكون فيه أمام دلالة الهويّة. فبأيّ معنى يمكن أن تتحدّد الخصوصيّة هويّة ؟؟؟ إنّ البحث عن التحديد لا يمنع الإشارة إلى كون المساءلة عن الخصوصيّة أو الهويّة هي من أكثر المسائل إحراجا لما تمثلّه الهويّة من راهنيّة طرح سواء تعلـّـق بالشعوب حديثة التكوّن أو تلك ذات الإرث والأصول الحضاريّة الموغلة في القدم. ويمكن تحديد الهويّة بكونها ذلك:"الشعور العميق الوجودي للإنسان، والشعور العميق الخاص بانتمائه. ويمنح الانتماء المراد غايته وأمل حياته: المسؤوليّة عن هويّة الجماعة واستمراريّـة أنماط تراثها المختلفة، الماديّة والرّوحيّة، والأمل في أنّ جهوده الإبداعيّة والوجوديّة لن تذهب هباء بموته، بل ستُغذّي حياة الجماعة حتّى بعد وفاته"[د. رشاد عبد الله الشامي / إشكاليّة الهويّة في إسرائيل /صفحة 7 / سلسلة عالم المعرفة عدد 224]. ولعلّ ذلك ما كان تايلور قد أكّد عليه بما أنّ المساءلة عن الهويّة هي مساءلة عن الخصوصيّة، أو بما أنّ الهويّة هي المحدّدة الخصوصيّة، وإن كان تايلور قد شدّد على اعتبار الهويّة عمليّة انتماء إلى موقع اجتماعي أو ثقافي والتزام بموقف وقيم تـُـفصحُ عن الخصوصيّة، علما وأنّ للالتزام دلالة صارمة تستوجب الوعي بهذا الانتماء وتحقيق موجباته واستحقاقاته فالالتزام هو " الوعي بضرورة الوفاء لمشروع إنساني محدّد المبادئ. والالتزام حسب جون لادريار في مقاله بالموسوعة العالميّة يتعارض مع اللامبالاة كما يؤكّد لادريار أنّ الالتزام يتقوّم على ثلاثة مرتكزات وهي:
1 – الانخراط.
2 – المسؤوليّة.
3 – التطلّع إلى المستقبل...
فالإنسان الملتزم بقضيّة ما أو بفكرة أو بخصوصيّة يشعر أنـّـه معنيّ بها فتعكس مواقفه انخراطا في مُجريات الأحداث يُترجم في أفعال تضفي على وجوده معنى قد يلتقي بتطلّعات الإنسانيّة جمعاء"[كتاب الفلسفة للسنة الثالثة آداب صفحة 262 "نافذة دعائم للتفكير في المسألة" بتصرّف]. إنّ الإلزام حسب تايلور هو الذي يُمكـّـن الذات من الحكم والتقييم بما أنّ احتلال الموقع هو ما يحيل على الانتماء وهو يجعل الذات تتبنـّـى نظاما تقييميا يكون لها مرجعا لتحديد الخير والصالح ويحدّد ما يجب فعله وما يتوجّب الامتناع عنه، بل وحتـّـى ما يتوجّب قبوله من الآراء والمواقف والأفكار والممارسات وما يكون من الضروريّ الاعتراض عليه. يقول تايلور" أن أعرف من أكون يعني أن أعرف الموقع الذي أحتلـّـه" وهوذات الموقع الذي من خلاله تتحدّد هويّة الذات حيث يقول:" تتحدّد هويتّي عبر الالتزامات وضروب تحقّق الذات التي تعيّن الإطار أو الأفق الذي أستطيع فيه محاولة الحكم حالة بحالة على ما يكون خيرا أو صالحا، على ما يجدر فعله وما أقبله أو ما أعترض عليه " تماما فإنّ الهويّة قد تتحدّد من خلال الالتزام الأخلاقي أو الرّوحي الدينيّ و لعلّ ذلك ما نلمس صداه في الأطروحة السوسيولوجيّة مع د يركهايم حيث يعتبر أنّ الدين هو من أهمّ المحدّدات للهويّة ولعلّ ذلك ما يترجم قوله :" إنّ المعتقدات الدينيّة الخالصة تكون دوما مشتركة بين مجموعة محدّدة تـجهُر بها وتمارس طقوسها المترابطة، وهي ليست مقبولة فحسب على نحو فرديّ، من جميــع أعضاء هذه المجموعة، وإنـّـما تعتبر ملك المجموعــة، وما يُحقّق وحدتها " [كتاب الفلسفة 4 ثانوي/شعب علميّة ص159 نص "المقدّس الديني] كما أنّ الهوية قد تتحدّد في الانتماء إلى الأمّة أو إلى تراث حضاري. وهو مايحيل على جملة من المرتكزات الأخرى في تحديد الهويّة مثل اللغة... على النقيض تماما يؤكّد تايلورمخاطر فقدان هذا النوع من اليقين والمعيار للحكم وللالتزام حيث ينبّه من خطر ضياع القدرة على أخذ القرار و من الالتزام به الأمر الذي يؤدّي إلى الاغتراب ويكشف عن حالة أزمة هويّة وهي حالة اعتبرها تايلور "تجربة مؤلمة ومرعبة". ولعلّ ذلك ما أشار إليه يوسف أورّن في كتابه "القلم كبوق سياسي "حيث يرى أنّ أزمة الهويّة هي حالة من الحيرة وأنّ الخطورة تكمن في استفحال هذه الحيرة " وإذا ما تواصلت هذه الحيرة وأصبحت بمنزلة سمة لعدد من الأجيال على التوالي، فإنّ هذا دليل قاطع على أنّ الجماعة لم تنجح في أن تحافظ على تواصل أبنائها بها. "ولمّا تبيّن أنّ الخصوصيّة حين تعيّنت هويّة فإنّها تفتح المجال للحديث عن تنوّع واختلاف بين الخصوصيات والهويّات ممّا يجعلنا أمام إحراجيّة التنوّع بين الرفض والتقريظ، بين التأكيد على مشروعيّة النظرة الأحادية للخصوصيّة وبين الإقرار بضرورة التنوّع الحضاري وبداهة الانخراط في الكوني. فكيف نتبيـّـن ذلك ؟؟؟
2- مخاطر النظرة الأحاديّة للخصوصيّة ومخاطر ادّعاء الكوني:
قد يصدق القول إنّ كلّ خصوصيّة تتضمّن نظرة أحاديّة، فإذا كانت الخصوصيّة قد تحدّدت كمقوّم حضاري ثقافي، فإنّ ذلك يُحيل على إحراجية الاعتقاد ببداهة الكمال وبالتالي بالمركزيّة الثقافيّة وهي قناعة تجعل من التفاضل والمفاضلة أساس العلاقة بين الشعوب. وهو اعتقاد يرتكز على التعصّب والدغمائيّة، ممّا يجعل المتعصّب يرى هويّـته الهويّة الوحيدة ذات المشروعيّة والمعبّرة عن الإنساني في الإنسان ولعلّ المماثلة التي قدّمهافولتير بين التعصّب ونسبته إلى التشاؤم نسبة العدوى إلى الحمّى وبنسبة الغيض إلى الغضب. فالتعصّب بما هو انحياز لا موضوعي / "أعمى" هو في حقيقة أمره يتأسّس على المغالطات وليس على الحجج العقليّة. لذلك يقدّم المتعصّب أشباه حجج ويعتمد على تضخيم ظاهر الحقّ حتــّى يشرّع للنظرة الأحاديّة للخصوصيّة كالاستناد على تصوّرات دينيّة كالمعتقد اليهودي القائل بأنّ اليهود هم شعب الله المختار، وهو المعتقد الذي انبنت عليه جملة من القناعات والأفكار التي كرّست احتلال فلسطين باعتبارها أرض الميعاد ما بعد الشتات، أو ماعمدت إليه الحملات الاستعماريّة من رسم الأهداف النبيلة التي تسعى لترسيخها في البلدان "البدائيّة " أو "البربريّة " أو "المتوحّشة " أو الهمجيّة ". فالمجتمعات غيرالغربيّة في نظر الغرب هي أقرب للتجمّعات الحيوانيّة من الاجتماع الإنساني. وهو ما نلمس صداه في قول جون أوغلبي في كتابه " إفريقيا "john ogibly, africa, london 1670 p.34" في وصفه للآخر الحضاري "البدائي": " كفّار أو منحلــّين يِؤمنون بالعديد من المبادئ الإلحاديّة ويعيشون مع بعضهم عيشة إباحيّة.. ويجرون وراء.. شهواتهم التي لا يكبح جماحها كابح " بل إنهم يفتقرون للحياة المدنيّة المنظمة " أمّا الحكومات فلا يعرفونها ولا سمعوا بها، فهم يعيشون في حالة الفوضى، ويقادون في كلّ المناسبات كالقطعان الهادرة، و يهدؤون أحيانا كالماشية وهي تتناول طعامها، و يجرون وراء ملذّاتهم العابثة. " وهو ذات الموقف الذي قال به وليام تان رهين "William ten rhyme, a short account of the cape of good hope" إنّ هؤلاء البرابرة الذين لا يردعهم قانون والوثنيين اللاأخلاقيين لا يمارسون إلاّ تلك العادات التي تدفعهم لها الغرائز العمياء دفعا لا يقاوم ". فمخاطر النظرة الأحاديّة يمكن اختزالها في الاعتقاد بأفضليّة خصوصيّة عن بقيّة الخصوصيّات. وهو ما شرّع في الماضي البعيد عمليّات اقتناص السود أو الحملات الاستعماريّة، فواقعة الاتّجار بالعبيد وجدت مبرّراتها في قناعات أو معتقدات دينيّة من ذلك ما نجده في موقف الطـاهـر بـن جلـّـون فــي كتابــه:
le racisme expliqué à ma fille (1998) " le colonialiste considère qu'il est de son devoir , en tant qu'homme blanc et civilisé , d'aller "apporter la civilisation à des races inférieures".il pense ,par exemple , qu'un africain , du fait qu'il est noir, a moins d'aptitudes intellectuelles qu'un blanc, autrement dit qu'il est moins intelligent qu'un blanc.
وهو الموقف الذي يبيّن الخلفيات العنصريّة التي تتقوّم عليه نظرة أحاديّة للخصوصيّة بشكل بدا فيه الأمر وكأنـّه قدر " إلاهي " على شعوب أن تتحمّل الرقيّ بشعوب أخرى وهي مغالطة كرّستها الإيديولوجيات الاستعماريّة بشكل أصبح البعض" يرى أنّ من الحداثة فرض الحداثة على الآخرين ما دامت تمثــّـل الخير الأسمى الذي يجب تعميمه. لكنّنا نعرف أنّ كثيرا ما تشكـّـل المثل النبيلة سلاحا خطابيا يبرّر السيطرة وبسط النفوذ" (السند: تمهيد عـــ25ـدد الوارد في كتاب الشعب العلميّة صفحة 169). فالنظرة الأحاديّة للخصوصيّة بقدر ما تعلن قيامها على قيم إنسانويّة فإنّها تٌضمر طمس لما هو إنساني والمتمثّل هنا في الهويّة الثقافيّة / الحضاريّة لأمّة ما. وقد نلمس صدى ذلك في ما ورد مقالة " الغرب المتمدّن ينظر إلى إفريقيا البدائيّة" لــ كاثرن جورجو هو الفصل 9 من كتاب البدائيّة الذي حرّره أشلي مونتانيو (عالم المعرفة عدد53) "فهذا رحّالة يؤكـّد أنّ بعض الزنوج الذين يعيشون في منطقة لا يحدّدها الرّحالة ذاته بوضوح جنوب الصحراء " يمارسون الجنس كالحيوانات: الأب مع إبنته والأخ وأخته " ويؤكـّـد نفس الرّحالة أنّ أولئك الزنوج " يأكلون اللّحم البشري " وهي عادة حيوانيّة أيضا. وقد كانت كلّ غرابة في الملبس أو المأكل أو المسكن تجرح الأحاسيس الأروبيّة تستخدم لرسم صورة الحيوانيّة الإفريقيّة هذه." كما نجد في هذه المقالة إحالة على عمليّة التبرير للاتّجار بالرقيق من قبل البرتغاليين بعد عمليّة صيدهم أو اقتناصهم حيث تحيل على ماورد في كتاب أزوراراazurara/ the chronicle of discovery and conquest of guinea "من وصف للوضع السعيد الذي وجد الأفارقة - الذين أصبحوا عبيدا – أنفسهم فيه: " وهكذا غدا وضعهم عكس ما كانو عليه، لأنّهم كانوا في السـّـابق يعيشون في حالة لا رجاء فيها للروح أو للجسد: للروح لأنــّهم كانوا وثنيين مقطوعين عن صفاء الدين المقدّس ونوره لأنــّهم كانوايعيشون كالحيوانات لا تنظّم حياتهم عادة من عادات العقلاء، ولم يكونوا يعرفون الخبز أو الخمر، ولا تغطّي أجسادهم الملابس، ولا تأويهم البيوت. والأسوأ من كلّ ذلك أنــّهم، بسبب ما كان يستبدّ بهم من جهل، لم يكونوا يعرفون الخير، ولا يعرفون إلاّ العيش في خمول بهيميّ. " فجملة هذه الأقوال تبيّن كيف كانت النظرة الأحاديّة للخصوصيّة هي التي كانت تقود الحملات الاستعماريّة وتقدّمها كحملات إنسانيّة بل هي مخاطرة من أجل الإنسان وتثبيت الإنسانيّ بما هو يحيل على هذه المبادئ الكونيّة المتمثلّة في تعاليم الدين المسيحي غير أنّ ذلك وكما بيّنا قد انبنى على مغالطات عديدة ولعلّ ما أشار إليه سارتر sartre في تقديمه لكتاب مختارات جديدة من الشعر الزنجي والملاجاشي التي كان سنجور قد جمعها: " يتعلّم الزنجي أن يقول أبيض كالثلج حين يشير للبراءة، ويصف النظرة التي لا ترضيه فيقول إنــّها سوداء، ويصف الروح بأنّها سوداء إن كانت شرّيرة، والفعلة السوداء إن كانت قبيحة، أي أنــّه يدين نفسه، يتهّمها أوّل ما يفتح فاهه." وهو ذات الموقف الذي نعثر عليه عند هتلر لحظة تمجيده للجنس الآري وتنزيلهم منزلة أرقى عن غيرهم من الأجناس، فالجنس الآري حسب هتلر هم مصدر الحضارة بل إنّهم هم من أكسبوا الإنسانيّة صفة الإنسانيّة (راجع النصّ الوارد في كتاب الفلسفة للسنة الثالثة آداب ) " لعلــّه من غير المجدي أن نناقش مسألة معرفة أيّ عرق أو أيّة أعراق كانت في البدء مؤتمنة على الحضارة الإنسانيّة و يعود إليها بالتالي فعليّا فضل تأسيس ما نسمّيه اليوم بالإنسانيّة. وإنّه من اليسير أن نطرح على أنفسنا السؤال في علاقة بالحاضر وعندها سيكون الجواب سهلا وواضحا. أنّ كلّ ما هو ماثل أمامنا من حضارة إنسانيّة ومن منتجات الفنّ والعلم والتقنية هو تقريبا ثمرة النشاط الخلاّق للآريين دون سواهم. وهذا الأمر يسمح لنا بأن نستنتج تبعا لذلك ودون أن تعوزنا الحجّة، إنّهم كانوا وحدهم المؤسّسين لإنسانيّة راقية وهم بالتالي يمثّلون النمط الأوّلي لما نعنيه بـ " الإنسان ". إنّ الآري هو برومثيوس الإنسانيّة وقد انقدحت شرارة النبوغ الربّاني في كلّ الأزمنة من جبينه المنير". فـهتلر هنا (في كتابه " كفاحي ") يعود إلى الأصل الأوّل للجنس الجرماني الذي يتمثّل في الآريين علما وأنّ هذه الكلمة تعود في أصلها إلى اللغة السنسكريتيّة (لغة الحضارة الهندو-أوروبيّة) وتحيل على دلالة الرفعة والنبل والشرف للعرق الأبيض الخالص. وبالتالي أخذت الكلمة دلالة إيديولوجيّة في ألمانيا النــّازيّة. إذا كانت النظرة الأحاديّة للخصوصيّة قد انبنت على تصوّرات مغالطيّة وعلى تأويلات إيديولوجيّة ونظرة تفاضليّة بين الهويّات والخصوصيات فإنّ ذلك ما اعتبره مونتانيو رفضا للغيريّة الحضاريّة، وتقوقعا داخل خصوصيّة يعتبرها أصحابها قد حقّقت الكمال في جميع أوجهها وتمظهراتها لذلك يترفـــّعون عن خصوصيات يرون فيها سمات لاإنسانيّة ولا أخلاقيّة لذلك يرىمونتانيو لا موضوعيّة الحكم بالهمجيّة على الآخرين لمجرّد أنّهم يخالفوننا الهويّة والعادات والتقاليد والديلنات حيث يقول: " كلّ واحد يسمّي همجيا ما لا يتـّفق مع عوائده " غير أنّ النظرة الأحاديّة للخصوصيّة المرتكزة على جملة هذه الخصائص الســّابقة تقابلها نظرة أحاديّة مضادّة، هي ردّة فعل على ما كابدته المجتمعات غير الغربيّة أو الأوروبيّة من استغلال واستعمار واستعباد واستنقاص من قيمتها ومن خصوصياتها ومن تكوّنها الفيزيولوجي وحــّط لها بالاستناد إلى لون بشرتها حيث نجد الشاعر النيجيري دنيس أوسادباي D.Osadebay يقول:
أنا لا أملك بندقيّة ولا أملك قنبلة
أنا لم أصلح للحرب بعد
جلبت لي صليبك ثمّ قذفت بي
لقد أصبح قلبي مليئا بالمرارة
أخبرتني أن أغمض عيني وأصلّي
لكنّك كنت تسرق أرضي
(ورد في قضايا إفريقيا للدكتور محمد عبد الغني سعودي/ سلسة عالم المعرفة عدد34) كما أنّ سنجور قد أكّد في مجموعته الشعريّة على أنّ الزنجيّة أو الزنوجيّة هي ضرب من عنصريّة جديدة أو هي هي عنصريّة ضدّ التمييز العنصري كما حدّدها سارتر في تقديمه لأعمال سنجور. ولعلّ ما قدّمه سنجور في تحليل موقف الطلبة الزنوج الذي استهلــّـه بالسؤال: " ألم تكن الزنجيّة عنصريّة جديدة ؟" وهي عنصريّة مضادّة " فلتفترضوا أنفسكم بجلد أسود لمدّة خمس دقائق، أنا أعرف أنّ هذا صعب عليكم، ولكن ليس هناك من طريقة لاكتساب الخبرة عن موقفنا حينئذ سوى هذه الطريقة، ارجعوا بأنفسكم إلى الوراء ثلاثين عاما إلى سنوات ما بين الحربين، كنــّا طلابا زنوجا نعيــش فــي الحـي اللاتينــي بفورة الشباب وعاطفتــه، وأيضـا بسذاجتــه وعفويتــه " كما يذكر سنجور حالات الاحباط التي كان عليها ذلك الشباب وكيف كان ينظر إليهم بما هم خالين من العبقريّة ومجرّدون من القيم، بل هم مجرّد شحّاذين تطفّــلوا على مائدة الرجل الأبيض" علــّمونا في المدارس الثانويّة أنـّـنا لم نكن مدعوين على مأدبة العالم ". ما يمكن الإشارة إليه هوأنّ ما يكون موضع نقد هنا ليس النظرة الأحاديّة للخصوصيّة بقدر ما يتوجّب علينا الكشف عن إشكال يتحدّد ليس كفضح للنزعات العنصريّة والاستعماريّة والمركزيّة الثقافيّة بل ككشف لأزمة الهويّة التي تكابدها عديد الشعوب نتيجة هذه الهيمنة الثقافيّة أونتيجة عدم تكيّف الخصوصيّة مع متطلــّبات الواقع أو الحاجات الجديدة وليدة المواجهة مع خصوصيات أخرى مغايرة. وهو ماعبّر عنه شارل تايلور بعدم القدرة على الحكم أو تغيير الأشياء والقيم ... أي فقدان الشعور بالانتماء و" باحتلال موقع " ولعلّ ذلك ما أشار إليه المفكّر العربيعبد السلام بنعبدالعالي حيث يقول: " يفهم البعض من التفتــّح علــى فكــر الاختــلاف دعوة إلــى تفتيــت الهويــّة، خصوصــا وأنّ هـــذا الفكــر يقـترن لدى مسامعهم بالتفكيك والخلخلة والتعدّد. وهم يخشون على هويّـتــ"نا" الهشــّة مزيدا من الهشاشة والضياع ". لكن هل يعني ذلك أنـّنا أمام إستحالة وجود الكوني ؟ و التشريع للانغلاق على الخصوصيّة ومحاصرة الهويّة في بوتقة ثقافيّة ضيّقة ؟ هل أنّ واقعة الاستعمار والمركزيّة الثقافيّة تؤدّي ضرورة إلى العمل على " إنقاذ" ذواتنا من كوني يدمّــر فينــا الإنسانــي ؟ ألا يمكننــا الانخــراط في الكوني دون التضحيّــة بالخصوصيّة وبالهويّة ؟ ألا يمكن إيجاد ضرب من علاقة ممكنة بين الخصوصيّة والكونيّة تفتح الآفاق أمام التنوّع الثقافي وتكرّس إمكان التثاقف وتجعل الكوني مشتركا إنسانيا وتتجاوز كلّ ادّعاء لامتلاك الكوني بل وتقطع معه ؟
3 – في علاقة الكونيّ بالخصوصيّ ... أو مشروعيّة التنوع الثقافي بما هو سبيل تحقيق الكوني الإنسانيّ:
هل يكفي العودة لرائد الحداثة رنيه ديكارت René Decartes حتّى نؤصّل الكوني الكامن في الإنسان ولا سيّما عند إقراره "في مقالة الطريقة "Discours de la méthode "العقل أعدل الأشياء توزّعا بين الناس،... وإنّما الرّاجح أن يكون شاهدا على قوّة الإصابة في الحكم، وهي القوّة التي يطلق عليها في الحقيقة إسم العقل أو النطق، واحدة بالفطرة عند جميع النـّاس. وهكذا، فإنّ اختلاف آرائنا لا ينشأ من كون بعضنا أعقل من بعض، بل ينشأ عن كوننا نوجـّه أفكارنا في طرق مختلفة ولا نطالع الأشياء ذاتها " أم يتوجّب علينا المرور بـهيغل حتّى نؤسّس للمثقــّف الكوني ولنصل لــمالبرانشN. MALEBRANCHE حتّى نستدلّ على العقل الكوني من خلال كونيّة حقائقه العقليّة والأكسيولوجيّة:"إنّ العقل الذي نستشيره حين نتأمّل في أعماق أنفسنا هو عقل كوني ". وبالتالي إلى إيجاد بيان "من أجل سلم دائمة"على شاكلة المشروع الذي كان كانط KANT قد باشر تحبيره، للانتهاء إلى التشريع لحقّ الضيافة وللشراكة في سكنى الأرض " لا يتعلّق الأمر ها هنا بحبّ البشر، وإنّما بالحقّ... وهو حقّ لكلّ البشر بمقتضى حقّ الملكيّة المشتركة لسطح الأرض" والسعي لإمكان إيجاد دستور كوني يرعى هذه الحقوق ويرسّخها ولعلّ ذلك ما يجعلنا أمام الأطروحات التي تشدّد على تقريض الاختلاف والتنوّع الثقافي مثل ما عمد إليه كلود لفي ستروس Claude LEVI-STRAUSS و موران Edgar MORIN فالعودة إلى الأطروحة الأنتروبولوجيّة البنيويّة مع لفي ستروس تبيّن مدى الحرص على استبعاد الأطروحة التطوّريّة التي كانت حبيسة النظرة الأحاديّة للخصوصيّة التي همّشت الخصوصيات المغايرة لذلك ينتهي بنا كلود لفي ستروس إلى القول " البربري هو من يؤمن بالبربريّة ". فالأنتوبولوجيا البنيويّة لم تنكر الاختلاف ولم تتنكّر للتنوّع والانقسامات المختلفة تماما كما أنّها لم تُلغِ وجود بعد ثقافي كوني إنسانيّ يتأسّس على التعايش والاعتراف بالتعدّد في مختلف المجالات كالمعتقدات والقواعد الأخلاقيّة واللغة والفنون والعادات والتقاليد و... لذلك الكوني الإنساني هو زمرة هذه الهويات المختلفة والخصوصيات المتنوّعة وتمكين الأقليات من الحفاظ على مقوّماتها. فالثقافة بما هي "نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلــّقة بالكون والسلوك الإنساني"على حدّ ما ذهب إليه غروم بوم فكلّ ثقافة تمثــّل حسب لفي ستروس نسقا متميّزا من الرموز أو من الأنظمة الرمزيّة. وهو تنوّع يعكس الإبداعات المختلفة بين الحضارات ن فتقريظ الاختلاف والتنوّع الثقافي والحضاري هو رفض لمقولات "الهمجيّة " و "البربريّة " و "البدائيّة "... تماما كما هو تأكيد على ضرورة الحفاظ على مقوّمات الثقافات وعلى مرتكزات اختلافها عن غيرها. ولعلّ ذلك ما يلتقي مع مضامين البيان الذي أصدرته اليونسكو سنة 1982 والتي تشدّد على الدّفاع عن الهويّة الثقافيّة لكلّ شعب وضرورة احترام ثقافات الأقلّيات وثقافة أي مجتمع. تماما فإنّ مورانMORIN قد أكـّد على بداهة وحدة الإنسانيّة رغم الاختلافات الثقافيّة بل إنّ العلاقة قد تتحدّد مثل لعبة الأضداد على حدّ ماذهب إليه غوسدورف فما حاجج عليه موران هــو جدليّــة الوحدة والتنوّع حيث يقــول:" ثمّــة وحـدة إنسانيــّة وثمّة تنوّع إنساني. هناك وحدة داخــل التنـوّع الإنسانـيّ وثمّـة تنـوّع داخــل الوحدة الإنسانيّة". لكن يبقى الاعتراف بالتنوّع الثقافي في حاجة لما يسنده وقد نجد ذلك في ما أكـّد عليه هابرماسHABERMAS في تأسيسه للعقل التواصلي ولأشكال إيتيقا التواصل المتقوّمة على العقلانيّة واعتماد الحجج العقليّة في ربط العلاقات بين الإنيّة والغيريّة لكن هذه المرّة نكون أمام إنـّية تحدّدت هويّة ثقافيّة وغيريّة تشكّلت كهويّة مغايرة ممّا يجعل الكوني الإنساني ممكنا دون الخلط بينه وبين العالمي أو العولمي أو العولمة بما هي مفاهيم تحيل حسب بودريار على دلالات اقتصاديّة وسياسيّة وبالتالي على كوني تحوّل إلى عمليّة تحكــّم وسيطرة أكثر حدّة وفتك من ادّعاء امتلاك الكوني أو في ادّعاء امتلاك الخصوصيّة النموذج. فما ينبّه له بودريار هو اكتساح العولمة لمجالات الكوني الإنساني التي تتمثـّل في القيم الإنسانيّة كمبادئ الحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطيّة... وهو تنبيه كان المفكـّر العربي سمير أمين قد حذّر منه حين اعتبر أنّ العولمة هي بمثابة النسق المنظّم والمحدّد الأهداف والذي يعمل على إفراغ الهويّة الجماعيّة من كلّ محتوى، وهي عمليّة حايثت الرأسماليّة عبر جملة من المراحل. يبقى الكوني الإنساني فكرة تتأرجح بين المنشود الممكن والفكرة الطوباويّة و بين رهانات الفلسفة وبين أطماع الخطاب الإيديولوجي المغالطي. لكن يبقى المنشود مطلوبا على الأقلّ بما هو يحمل الإنساني فينا وليكون الكوني كما بيّنا كونيا إنسانيا وليس هيمنيا، نطلبه ونسعى لإنقاذه من خطر التعصّب ومن خطر العولمة، ليكون كونيا يقوم على التنوّع والاختلاف ويعمل على الحفاظ على هذه المكوّنات ولعلـّنا نستحضر هناغاندي في قبوله المغاير والمختلف وإعلانه الانخراط في الكوني بكلّ ما يحمله من اختلاف وتغاير " إنّني على استعداد لأن أفتح نوافذ بيتي لتدخله الرياح من كلّ اتّجاه وكلّ جانب، ولكن من دون أن تقوّض هذه الرياح الجذور التي يقوم عليها بيتي والأسس التي ينهض عليها "....




  رد مع اقتباس
إضافة رد

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ما الذي يبرّر التفكير في مسألة الخصوصية والكونية؟ JokerX دروس و إمتحانات الباكلوريا 0 2013-01-11 14:09
DOC لتلاميذ الباكالويا: كل ما يخص الخصوصية والكونية في مادة الفلسفة Fiorezy دروس و إمتحانات الباكلوريا 0 2012-05-03 06:07


الكلمات الدلالية (Tags)
الخصوصية والكونية

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:18


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة 2010-2024 © منتديات جوهرة سوفت